شربه لأنه على ذلك أشبه بالماء منه بالطعام (وفي صفحة 18) في معاتبة أبي القاسم الشطرنجي.

أترى الضربة هي التي غيب ... خلف خمسين ضربة في وحاء

قال شارحنا: الذي أراه أن الخلف هنا بضم الخاء اسماً من الاخلاف وهو التكذيب في المستقبل والوحاء العجلة والإسراع ومعنى البيت أترى أن الضربة والنكاية التي هي في الغيب ولم تحصل بعد مخلفة لعاداتك في خمسين ضربة حصلت قبلها وكلها في غاية العجلة والإسراع، وهذا عجيب من الشيخ وكان خليقاً به إذ يجهل لعب الشطرنج أن يفزع إلى أخ له من خريجي دار العلوم وأحد أساتذة آداب اللغة القائمين بدراستها في إحدى المدارس العالية اليوم قد حذق الشطرنج وشأى فيه شأواً بعيداً وكاد يلزّ مع أبي القاسم هذا في قرن فيسأله عما يقصد إليه الشاعر، ولو أن الشيخ لم يعود نفسه شرح أبيات القصيدة من القصائد حتى يستوعبها كلها لرأى تفسير هذا البيت في صفحة 26 عند قوله:

أترى كل ما ذكرت جلياً ... وسواه من غامض الأنحاء

ثم يخفى عليك أني صديق ... ربما عز مثله في الغلاء

فالشاعر يريد أن صاحبه الشطرنجي يرى الضربة الأخيرة التي تقتل الشاه ويكون عندها الفصل في اللعب من وراء خمسين ضربة يرمي بها خصمه دراكاً لا يتأمل ولا يفكر لقوة ذهنه ومهارته وبصره بأوضاع الشطرنج وحفظه لهجاء هذه الرقعة، وتلك من صفة أبطال هذه الساحة لا يشتهرون إلا بالحفظ وسرعة اللعب مع الإصابة والسداد (وفي صفحة 19 - في الشطرنجي أيضاً -).

قال الشيخ: ومعنى البيت على ما يظهر لي أنك تعلي من تشاء وتضع من تشاء.

وليس هذا المعنى مما يقصد إليه مثل ابن الرومي، إنما يريد الشاعر أن صاحبه لقوته في اللعب وثقته بنفسه يترك لخصمه رخا أو فرزانا ويناقله بالباقي ومع ذلك لا يغلبه خصمه، بل يزداد شدة استعلاء كما تقول لمن هو أضعف منك أصارعك بيد واحدة وأنت تستعمل يديك معاً، وعلى ذلك يكون اشتقاق يحط من الحطيطة لا من الحط وكثيرون من المشهورين في اللعب بالشطرنج لا يلعبون إلا كذلك أي بدون رخ أو بدون فرزان ولا يزالون كذلك إلى اليوم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015