أبقين عليهم مسامعهم فما هي بمغنية شيئاً بعد الإبصار ولو كانت تغني لصلمنها ولم يتعدينها إلى الأعين فيفقأنها وأنا أعلم أنه قل بين أهل الخبرة بأحوال الزواج من لا يستخف فقد الاذن بالقياس إلى فقد البصر لاسيما وأن وراء فقد الأذن الراحة من سماع المطالب الجمة والقوارص المصمة.
وكيفما كان هذا الرأي فإن كثيراً من بنات اليوم من لا يعولن كل التعويل على هذه الطريقة ولا يبالين أن يتركن لأزواجهن عيونهم اعتقاداً منهن أنهن أدرى بتسخيرهم صاغرين سواء ذهبت أبصارهم أو بقيت في رؤسهم ولسوء حظ الرجال أن كان هؤلاء الأزواج ممن لا يصونون الجميل أو يعترفون بالإحسان فاقتسروا نساءهم على أن يحذون حذو أخواتهن لاسيما بعد أن صرح الزمن زهرة صباهن وأطفأ في وجوههن رونق الشباب وما أيسر الأمر إذا كان للمرأة النفوذ والسيطرة.
ولا أدري لعل سيداتنا الأيقوسيات يقلدن جداتهن السيثيات ولكني طالما تولاني العجب إذ كنت أرى امرأة منهن تنتقي من بين الرجال زوجاً مغفلاً غبياً وتؤثره على سواه رفيقاً لها في الحياة وكأنها ترى أن غفلته وغباوته مما يعنيها على تذليله وترويضه. فما ترددت في الجزم بأن بين جنبيها نفساً تربو على نفوس أولئك السيثيات بربرية بمقدار ما تزيد عين البصيرة التي تسلمها هذه عن العين الباصرة التي قد سملها أولئك.
بيد أني لا أكون عادلاً إذا أنا لم أنجح بسر يختلج في صدري ويتردد على لساني، فلقد يكون ولع النساء هذا بالسلطة أثراً لسوء تصرف أبناء جنسنا بسلطتنا. وقد أنبأت حوادث التاريخ أن الطغاة إذا أرهقوا رعاياهم ولجوا في الطغيان والعدوان أحفظوا أولئك الرعايا وحفزوهم إلى التمرد. فإذا تمردوا فتكوا وأهلكوا ونكبوا وأخربوا وضيعوا وروعوا، وانقلبوا هم طغاة كأولئك الطغاة الذين ينقمون عليهم بل أشد. ومن يدري لعل أمر النسوة معنا على حد ما علمنا؟
هذا ما صيرني أود لو تخلى كل منا عن مزاعمه فلا حاكم ولا محكوم ولا سيد أو مسود بل نجري في الأمور بالهوادة بيننا ويأخذ كل منا فيما يخصه بلا رقابة أو إيحاء من الآخر كأننا ندان متساويان ولا ننس أننا شطرا جسد متعادلان كما قال أفلاطون.
فقد جاء في مرويات ذلك الفيلسوف الحاذق أن الإنسان لم يكن في أصله كما نحن الآن.