يخرج الغنى معهن في الطريق لا حارساً ولا منعاً ولكن للكيد والفتنة. فتنة المساكين وكيد الحاسدين فخرجت في زينتها وكأنها حانوت جوهري. . . وهي نصف من النساء ولكنها تتصابى فكأن في سامتها وابتسامتها شباب عشر فتيات جميلات. . . وقد ذهبت في أوضاع جسمها مذاهب هندسية بين المستدير والمستقيم والمنحني. . . حتى ظهرت كأن نصفها من الله ونصفها من الخياطة. . . وإذا رأيت جملتها رأيت روضة الجمال بألوانها وأزهارها ولكن. . . مصوره، فإذا انتهيت إلى وجهها رأيت للحسن هناك شهادة على الله ولكن. . مزورة. . . وعلى الجملة فقد جعلها حسنها المالي في رأي نفسها كالشرائع لا جدال فيها إلا من زنديق. . .
ورأتها الفتاة كما تنظر المرأة إلى المرأة بعين جامدة ليس فيها لغة ولا فلسفة ولا شعر، فقالت يا لها سعادة أن تكون هذه العجوز. . . لا تتقدم في عمرها إلى الأمام ولكنها ترجع إلى الوراء، وأن تظهر بين الناس حسناء وإن كانت من القبح بحيث ذهب نصف نهارها في التحسن، وأن لا تجد من هموم الدنيا أكثر من هم الألفاظ أن قال الناس غير حسناء أو قالوا غيرها أحسن منها. ويا له شقاء أن تكون هي كما هي وأكون أنا كما أنا.
ثم رمت بعينيها إلى السماء وانحرفت تواجه تلك السيدة فما تبينتها هذه وألمت بما نفسها حتى انقبضت كأنما أثارت الأرض في وجهها دابة جامحة، وجعلت تتحاماها وتلوذ ههنا وههنا وتحتث قدميها كأنها لقاء خطر شديد. غير أن الفتاة ملأت عليها الطريق بحركاتها فكانت وجهها كيفما يمنة أو يسرة وكأنما تطاردها مطاردةً.
فلما عيت السيدة بأمرها وغاظ الفقر نعمتها وهاج الفضول الفتاة حنقها وكبرياءها. وقفت لها وقفة القضاء عابسة الوجه شامخة الأنف يكاد يستنفض الناس طرفها وتكاد تميز من الغيظ وتدل هيئة وجهها على أن وراء شفتيها المرتجفتين كلمات أحد من أنياب الوحش.
فلم تبال الفتاة وبقيت رئتاها واسعتين للهواء إذ ليس بعد الفقر خوف، ودلفت إليها باسطة اليد وهي تكاد تزلقها ببصرها حتى إذا وقفت بإزائها خفضت رأسها وقالت:
سيدتي! أدام الله نعمته عليك وهنأك هذه النعمة بدوامها.
ـ هي دائمة وما أنت والنعمة؟
سيدتي! وقاك الله ما أنا فيه من بأساء الحياة ولا كتب عليك أن تعرفي ما هي.