أداة من أدوات الزينة وسيلة من سوائل التجميل، وأن النصف الآخر العارفين بلغة الفرنجة ليسوا صنفاً واحداً في الإطلاع، ولا سماطاً واحداً في الفهم والبراعة والذكاء، بل ما يبرح كثيرون من إغفالهم يهجمون علينا بكل غث وخم من الكتب وكل عقيم تافه الفائدة من الأسفار من كل ما يقع تحت أيديهم أو يعثرون به فوق رفوف المخازن وألواح المكاتب، إذ كان قد قام في أذهانهم أن كل ما يخرج من كتاب الغرب قمين بالقراءة، خليق بالنقل، وكأنهم لم يعلموا أن كل مملكة في الغرب تحوى الألوف المؤلفة بالخلود وعظمة الشأن إلا القليلون. ومن هذه الملايين من الكتب إلا القلائل وإن كان كلهم رائج المكسب في بلهنية من العيش وغفراء من النعم لأن كل ما يخرج للجمهور في تلك البلاد المهذبة لا يلبث أن يلتهم إذ كان كل فرد منهم قارئاً، وكل قارئ منهم يحتفل بمطالب ذهنه احتفاله بمطالب معدته.

ومن ثم كان التعريب في هذا البلد كالتأليف لا يزال يجري أكثره في سبل من الفوضى ويطرد في مضطرب واسع من السخف والحمق، وأكثر ما نقل إلينا لا يكاد يجدي علينا في فرع من شؤون التهذيب ولا يقرب لنا طرفاً من علوم العصر في كل أبواب الاجتماع والتربية والفلسفة والأدب والعلوم الطبيعية بأنواعها، هذا على كثرة النافجين منا بمعرفة لغات الغرب والمزهوين بأنهم تلقوا تهذيبهم في جامعاته، وأخذوا آدابهم عن أساتذته، وعاشوا طويلاً بين ظهراني أهله. ولكن أكثر هؤلاء إنما نفقدهم ساعة تحتويهم الباخرة خصة بهم إلى الأرض المقدسة لأنهم يذهبون وهم على شيء من الفطنة والذكاء والتوقد والنشاط فما يلبثون أن يعودوا ضعفاء الأعصاب خامدي الأذهان مرضى الأرواح من أثر إفراطهم في حيوانيات الغرب ومقاتل لذائذه، ثم نحن بعد لا ننال منهم لا كثيراً ولا قليلاً من نتائج العلم الذي درسوه وجملة الآداب التي تلقوها وحلزوا درجاتها، وذلك لأن الجامعة لا تستطيع وحدها أن تخلق كاتباً واحداً أو شاعراً واحداً أو أديباً واحداً، إذ كان التعليم في الجامعة مدرسياً بحتاً لا يدخل في أغراض الحياة، ولا ينفذ إلى صميم العيش، وهو إنما يكون سبيلاً إلى إظهار النبوغ، وتجلى مطالع العبقرية، وفي الغرب ملايين عظيمة من خريجي الجامعات وحملة الشهادات والألقاب العلمية، ولكن ليس منهم إلا قليلون هم الذين استطاعوا أن يكونوا كتاباً ويظفروا بشيء من الذكر في دائرة الكتابة والأدب، وإذا كان ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015