كل عصر أحوج أبداً إلى المواسي والمطعم والمثقف والمربي والمرض والطبيب والعائل والوصي والقيم، لأن قسوة الحياة تريد أن تصرع كل من لا يشبعها ويواتيها ويصدع بأمرها ويقومن على مطالبها ورغائبها. فإذا اجتمعت كل هذه في فرد واحد، وكانت روحه تنطوي على ألف رجل لكل واحدة منها، فهو ولاشك عائش يد الدهر في أذهان الناس وحبات قلوبهم وهذا هو أسمى ضروب الخلود الإنساني، لأنه جاء من ناحية الحياة نفسها، ولأنه جعل الناس ينتصرون على الآلام والجهل والهموم ومتاعب الوجود، وهي كل ما يقتل الروح، ويخنق النشاط، ويستأصل جذور الراحة والهناء.
كذلك يجب أن يعمل الناس، وعلى مثل هذا يجب أن يتزاحم سراتهم. . .
رجل عظيم
يحيي ذكرى أديب
إن في تكريم رجل من أهل الآداب والاحتفال بذكره بعد موته لمعنى يلقي الروعة والإجلال في قلب كل المشتغلين بالفنون ويدخل على كل أديب العزاء والنشاط والأمل، ولكن أروع من ذلك وأجل وأعظم أن يكون العمل على إجلال الأديب صادراً من غني وجيه رب أموال وفضل وأعمال ومكانة مرموقة لا تحتاج إلى الشهرة أو الإعلان، فلئن كانت فكرة تأبين المأسوف عليه جورج زيدان رائعة وجميلة فإن أجمل منها أن يكون سعادة ميشيل لطف الله بك ذلك الرجل النبيل الإحساس، العظيم المبدأ، الكبير الثراء، الذي يرجح في اعتقادنا بألف غني من أغنيائنا والذي يحق للعرب عامة والسوريين خاصة أن يفخروا به الفخر كله والذي أعاد بأعماله المجيدة ذكر المأمون ومعن بن زائدة وأمثالهما من أجواد العرب ومعضدي العلم والأدب صاحب الفكرة والقائم في رأس المحتفلين لها. . . وما ذاك إلا لأننا نعيش في عصر مقفر مجدب من الأغنياء الكبرى النفوس، وإن اختنق بكثير من المتمولين اللؤماء الشعور، المثلجي العاطفة، ومن الصيارفة البارعي الحيلة في الحشد والكنز، والطائفة الكبيرة صاحبة الجاه المزور المموه الأجوف وأن في ظهور رجل غني عظيم المبدأ، متوقد العاطفة بين أرباب الفنون لحادثاً تاريخياً كبيراً وظفراً للمفكرين المتألمين الغرباء في هذا البلد المائت المحتضر.
وليست أمراض الجيل ومساويه ومخازيه الإنتاج فقر الأغنياء من كل معنى جليل وأثر