ومضى أسبوع، ومر أسبوعان، وهما يلتقيان ويجتمعان على خفية من السيد هولزنر، والد الفتاة وصاحب الحمامات، حتى إذا بلغ الحب من بسمارك شدته، وأعجزه أن يصطبر لحرارته، عزم على أن يفاتح والدها في الزواج، ويسأله يد ابنته، ولكن الرجل لم يكن يعرف أن في أثواب هذا الضابط الفتى الشاب، تلك العظمة الهائلة المخيفة الرائعة التي كانت ستتجلى بعد حين في أكبر جلالها، وكانت ستغير وجه التاريخ الإنساني الحديث بأجمعه، بل لم يكن يدري أن هذا الشاب الذي لا يحمل إلا اسم أرثر بسمارك، اسماً صغيراً عادياً، سيضع بعد قليل من الزمن لقب (البرنس) إلى جانبه وسينادي به في التاريخ رجل الدم والحديد، فما كان من الرجل إلا أن قابل سؤاله بأشد ما يقابل من القحة والأنفة والاستنكار، بل راح يهجم عليه بالشتائم والسباب، ويسمى هذا الرجل العظيم الجبار وقحاً، ودعياً، ورقيعاً وصرح له بأنه يؤثر أن يرى ابنته ملحودة موؤدة، على أن يشهدها امرأة دعي مثله، وعبثاً حاول بسمارك أن يحتج ويغالب ويدافع عن نفسه، ولكن أبى الوالد القاسي إلا أن يصر على عزيمته وانتهى الحديث بينهما بأن أشار الوالد إلى الباب، يريد أن يطرده!!!
وكذلك لم يكن يدري هذا الرجل أن في تلك الدقيقة التي أقفل فيها بابه وراء بسمارك، كانت هي الدقيقة نفسها التي فيه أغلق بيديه الشرفة التي كان سيطل منها على المستقبل الأبدي الخالد. . .
كيف تكتم أسرار الحروب
(اللورد كتشنر لا يأمن المتزوجين من الجند على أسرار الحرب!)
لا ريب في أن للحكومات خلال زمن الحرب عدة من الأسرار الهامة الخطيرة يجب أن تحرص عليها كل الحرص، وتعمل جهدها على كتمها، ولذلك لا تني تضع الوسائل المختلفة والطرائق الكثيرة، والأساليب الغريبة في الاحتفاظ بها من الذيوع والسرقة والانتشار، ومن هذه الوسائل أن الكتابة في الدواوين المختصة بهذه الأسرار والرسائل والتقارير الهامة فيها لا تجفف بأوراق (النشاف) المعتادة بل قد استعاضوا عنها بآلات مجففة تتألف من اسطوانات متحركة مغطاة بورق من النشاف مبلل بالمداد، أسود الأديم، حتى لا يمكن أن تنطبع الألفاظ والسطور على أديمها، لو كانت بيضاء، وهم في أغلب