ومصالح ورغائب وعواطف متباينة متضادة تحت شرع واحد وقانون مفرد، ولا يكون ذلك من الممكنات في أغلب الأحيان إلا بواسطة ضغط من الشدة بمكان، وفي النظام المسنون اليوم للأيرلنديين والهنود دليل على ذلك وبرهان.

على أن العرب لم تأخذ بهذا الضغط تلك الأجناس المختلفة التي خضعت لها وأذعنت لحكمها، لأن الدين والأنظمة التي جاؤوهم بها صادفت منهم القبول والرضى ولأنهم كانوا يعاملون جميع النحل والشعوب التي آثرت الإسلام على دينها واختارته لنفسها، مهما كان أصلها، على قسطاس من المساواة التامة الكاملة، وكذلك كان شرع القرآن وسنته، وما كان الفاتحون ليميلوا يوماً إلى تجنب هذا الشرع والانحراف عن سننه والزيغ عن جادته فكان من ذلك بادئ بدء أن الغالبين والمغلوبين ألفوا منهم شعباً واحداً ذا اعتقادات ومشاعر ومصالح مشتركة، وظل الائتلاف ضارباً بجرانه في جميع أجزاء الدولة العربية ما بقيت قوة العرب من العظمة بحيث كانت تجد من الجميع توقيراً لها واعتداداً بشأنها.

على أن المنازعات بين هذه الأجناس والعناصر المتباينة وإن قمع شرها إلا أن نارها لم تخب ولم تخمد. فلما بلغت عادات العرب من الخروج والانشقاق أشدها. وانتهت إلى مستفحل أمرها. إذا بتلك المنازعات قد عادت من مكمنها وبانت من مخبئها وظهرت بأجلى مظهرها. ولم تنشب الممالك الخاضعة لصولة الإسلام أن أضحت ميدان أحزاب لا تفتأ أبداً في تكاشح وتدابر وقتال. ومنذ حاصر المسيحيون آخر موطن للعظمة الإسلامية في الأندلس وهذه الأحزاب والفرق على حالها من التقاتل والشحناء.

وإن لوجود هذه الأجناس المختلفة في كل بلدان الإسلام وخاضع أقطاره نتيجة أخرى أشرنا فيما مربك إلى شرها. ونبهنا إلى خطرها وويلها. وهي اختلاط العرب بجميع الأمم التي عاشت بين ظهرانيها. وذلك أن العرب بامتزاجهم بتلك الأمم التي ليست دونهم وليست بأقل مدينة منهم كمسيحي أسبانيا مثلاً قد كان من الجائز أن يكتسبوا منهم بعض الميال والاستعدادات ولكن اختلاطهم بالشعوب المنحطة عن مستواهم كبعض الشعوب الآسيوية وأهل المغرب لا يجلب عليهم إلا الخسارة والوكس. وليس من شأن هذا الامتزاج في كلتا الحالين إلا أن ينتهي بإفناء أخلاقهم التي يتركب من مجموعها عنصرهم. والحقيقة المشهودة أنه لما ضاعت عظمة العرب السياسية على أثر فقدهم اسبانيا ومصر لم تكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015