المبتلاة، إذن لما أعوزتها بلوى ولا عز عليها عزاء، لأن الإيرلنديين قوم بر ورحمة، وأهل عطف وحنان.
وكذلك وجدت من مسير الأسر الغنية. والعشائر الكريمة، أرقى صنوف الإكرام، وأعذب ضروب الرحمة، ساقوها إلى ندواتهم ومجتمعاتهم واحتالوا بكل أنواع الملاهي والمناعم أن يبددوا عنها حزنها، ويبعدوها عن قصة حبها، وذكرى نكبتها. فما أجدى كل ذلك نفعاً. فإن من المصائب ما يسحق القلب، ويحرق الروح، وينفذ إلى منبت السعادة فيهشمه، حتى ما يخرج من بعدها زهراً ولا كمأ، وهي لم تكن تمانع في غشيان أماكن اللهو، ومواطن السرور، ولكنها كانت فيها كأوحد ما تكون في أغوار العزلة والانفراد، تمشي وتخطر بينهم تائهة في حلم محزن. كأنها لا تشعر بما حولها لا تعلم. تحمل معها شجناً، يسخر من كل مداعبات الصداقة وملقها وعذب كلماتها، ولا يحفل بأنشودة المنشد، وإن لم يصدح من قبل بأحسن مما صدح وأطرب.
وقد رآها من قص على قصتها في حفلة راقصة، وأنت فلو التقيت بمظهر بؤس، ورهين شقاه، في حفل كهذا لا ترى فيه إلا راقصين وماجنين ولاعبين، إذن لكان منظره أبلغ في قلبك أثراً. وأمضي لموضع الرحمة منك حسرة ولهفاً. هناك إذ تجده طائفاً هائماً كالروح الشاردة، وحيداً لا فرح يملك لنفسه، وإن كان كل ما حوله في فرح. إذ تراه مشتملاً في حلل اللهو متجملاً في ثياب الطرب والمراح، وإن كان يلوح ضعيفاً شاحباً حزيناً. كأنما قد حاول عبثاً أن يخدع قلبه الكسير في لحظة نسيان، وبرهة تناس لأشجان.
خطرت في الحجرات الفخمة الأنيقة، ومشت بين الجمع المزد هي المتماوج وعليها تبدو أمارات الذهول، ثم جاءت فجلست عند درج الموسيقى. ودارت بعينها مبهوتة: انها لا تشعر بما حولها من زينة ومبهجة. وأخذها ما يأخذ كل قلب مريض من التحول والانقلاب. فأنشأت تغني نعمة شجية محزنة. وكانت ذات صوت عذب رخيم، ولكن كان في تلك الساعة سهلاً مؤثراً. كأنما كانت تصعد مع أنفاسها روح البؤس. وأنفاس الشفاء. والنف الجمع حولها صامتين. يسفحون الدموع ويسكبون العبرات.
وقصة فتاة كهذه صادقة الحب. رقيقاً القلب. تثير الاهتمام والعناية في بلد اشتهر بالحمية. وعرف بالحماسة والغيرة، فما عتمت أن وقعت من قلب ضابط شجاع. جعل يظهر لها