هذا ما دعاني لأن أكون قاضياً. بعد أن كنت معكم محامياً. استرحت بعد العناء. لا زراية يشرف المحاماة، لأنها حرفة إظهار الحق لمن تولى أمر القضاء بين الناس، وأرى أن أفخر حلي الشرف أني كنت بينكم زمناً طويلاً أسعى معكم في إظهار الحقائق، والله يعمل إني ما سعيت إلا لهذا المقصد الشريف. ولكني أشهد أنكم أشد مني عزيمة إذ قعدت وأنتم نهوض.
إخواني. إنني ما سبقت إلى اتخاذ فن المحاماة شعاراً إلا لأنها الحرفة التي تستلزم بسط آراء المشتغل بها على حضرات القضاة الفضلاء والأقران وجماهير العامة، فهي من ثم الحرفة الوحيدة التي تظهر فيها قيمة المرء في وسطه.
والحق أقول ما كنت بمستطيع أن أخالط من كانوا مشتغلين بهذا الفن يوم لبست شعاره. كما قال أحد إخواني أثناء كلامه وإني محدثكم الحديث.
أول ما هممت بالاشتغال بفن المحاماة وحدثتني نفسي بشأنها. نظرت فإذا من رزئت به من الذين كانوا عنوان سمعتها وذكرها. كأنهم الشوك يؤذي الناس ويعذبهم وذلك أنهم كانوا يسيئون إلى عباد الله بخيانتهم وزيغهم عن طريق الحق والهدى، ولذلك ترددت بادئ بدء ثم قلت في نفسي ما ضرك لو كنت وردة بين هاتيك الأشواك، ولو كنت الآن ما حدثتها هذا الحديث فمن حسن حظي أني أجبل البصر في هذا المحفل الحافل فلا أجد أثراً لذلك الشوك فلما استقر بخاطري أن القيام بالواجب خير للمرء حتى وإن كان يحرفه هي بأهلها من سقط المتاع أقدمت مستحصد العزم على الاشتغال بهذه الحرفة بين أولئك الذين عددتهم شوكا، والحمد لله إذ قد لفظهم الزمان لفظ النواة، وطهر الله مواضع نظرنا أن تقتحمهم في هذه الليلة.
إخواني لا أحب أن أخوض في حديث أولئك القوم ولكني أقول كما قال أحد إخواني إنه كان من أقصى واجبات تلك الشرذمة إرضاء خواطر أولئك القضاة الذين بحقهم الحق، وذهب بهم العدل.
ذلك ما أقول بصفتي محامياً بالأمس واليوم قاضياً لا يليق بي في الحالتين أن أكذب على نفسي وعلى غيري.
والذي حبب إلى الاشتغال بهذه الصناعة إني كنت مشتغلاً من قبلها بوظيفة من شأنها الإطلاع على أحكام المحاكم الملغاة التي كانت تنشر في الجريدة الرسمية يوم كنت عضواً