فهذه هي حال فرنسا. وماذا يقي بلادنا سريان هذا الداء إليها وانتقال هذه العدوى؟ الحرب لا غيرها.
فرأى اللورد جرانفيل المسالمة في مبدأ الأمر ورآها كذلك بيت. والواقع إن المسألة كانت تكون إذ ذاك خير خطة وكان عليها ضمان ازدياد ثروة البلاد وقوتها. وكانت شواهد الحال كلها تغري الساسة باتباع خطة المسالمة. بل كانت المسالمة غاية كبار الساسة الفرنسيين والغرض الذي كانوا يرمون إليه حتى جعلوا يحاولون توثيق عرى الوداد بين فرنسا وإنكلترا وتوكيد أسباب السلام بين الإنكليز وبينهم فجاهر باتباع السلام ميرابو وتايواند وبيسيون حتى روبسبير نفسه الملقب بالسفاح وشارب الدماء. ولكن تشنيعات بيرك ومطاعنه قامت عقبة في سبيل المحافظة على السلم، وقد ذكر ميرابو في تقرير رسمي كتبه في ذلك الصدد أسباب إيثاره خطة السلم وقد أعدبنا أحد هذه الأسباب لقوة حجته وهو قوله: إن أقل آفات الحرب على فرش أن للفرنسيين الفوز والظفر هو أن جماعة القواد تأخذ من رؤوسهم نشوة النصر وتزهوهم أبهة الحياة الحربية فإذا وضعت الحرب أوزارها أنفوا أن يتركوا عظمة الجندية إلى تواضع العيشة الملكية فيطلبوا سن القوانين لإبقاء الجيوش وهذه طلائع أسوأ الحكومة أعني الحكومات الحربية.
وأخيراً تمكن بيرك عام 1793 من حمل إنكلترا على التداخل في شؤون فرنسا وساعده على ذلك ما ارتكبه الفرنس من إعدام ملكهم لويز السادس عشر. فذكر الإنكليز مقتل مليكهم شارل الأول فثاروا وأقسموا ليوقعن أقصى العقوبة على الفرنسيين وليرغمهم على إعادة العرش إلى أسرة البوربون وأعقب ذلك حرب استمرت اثنين وعشرين عاماً كابدت إنكلترا أثناءها من الكرب والبلاء والمحنة والشقاء ما يعني به الوصف ويعجز عنه البيان. وطالما حاول فوكس إيقاع الصلح واستجلاب السلم ولكن بيرك كان يكتب ضده بقلم من نار ويرد عليه بلسان شيطان. وعلى هذه الحال أمضى بيرك السبع السنين التي تبقت من عمره ثم قضى نحبه في الثامن من شهر يوليه 1797.
وكتابات بيرك وخطبه مملوءة من الحكم والأحكام والمبادئ بما يجدر أن يسترشد به السياسي في التشريع العملي وتأسيس الحكومة الصالحة. وإذا اضطر إلى تعضيد حزب الأقلية وتوريج الآراء الكاسدة والمذاهب المكروهة قدرة على ذلك اقتداؤه بذلك الخطيب