فيها أدب العثمانيين، بوداعة المصريين، وحديثاً جذاباً رقيقاً، لا أثر فيه للتكلف، بل تتجلى فيه شخصيته، ونفسه وعقله، وخلقه، وتلك مزايا الرجل النابغة، فإن النبوغ يجري في تضاعيف النفس مجراه في أوعية الذهن، وما النفس والذهن إلا ليتغذيا من بعضهما ويستمدا. ولو جئت بانبغ النوابغ، وأذكى الأذكياء، وكان مضطرب النفس، مكدر الروح، مربد العواطف، ثم أردته على أن يظهر نبوغه وذكاءه، لا تطبع اضطراب نفسه، وكدر روحه، في قوله وكتابته.

وصفاء وجدانات سمو الأمير الجليل، وحلاوة أخلاقه، دلائل على عظمته، إذ يقول استرابو الشاعر أنك لا ترى عظيم الذهن إلا وهو عظيم النفس، عظيم الخلق، عليم بالنظر إلى قلبه ونفسه، وإلا فكيف يعرف النظر إلى قلوب الناس واستقراء ضمائرهم ووجدانهم، من تكدرت نفسه واحتجبت وراء سحائب من الأكدار والأقذاء؟.

وقد قرأنا رحلة الأمير فما رأينا إلا الوصف الدقيق، والنقد المتين، والاستنتاج الراجح، والملاحظة الدقيقة، والفكاهة المستملحة، بل رأينا روحاً شرقية وثابة، قد خلصت من أغلال الجمود، وقيود المحافظة، تعجب بالجليل من مدينة الغرب، وتلفظ السخيف منها، وكم فيها من سخيف، وتستحسن الصالح من عادات الغربيين، وتعيب على الغث منها، وكأين فيها من غث.

رأينا رسوخ العقيدة، وصدق البأس، وشدة الإيمان، وشدة العارضة والغيرة على الشؤون المصرية والمصالح الشرقية، والحرص على الشرائع الإسلامية، والقوانين الدينية، والأبحاث البسيكولوجية، والاستنتاجات الأنثربولوجية.

وقد أعجبنا من سمو الأمير أن تخير لمقدمته قلم العالم الكبير والقانوني المفكر، سعادة المفضال عثمان مرتضى باشا، فقد أبدع صاحب المقدمة في وصف التطورات المادية والفكرية والاجتماعية التي تقلبت فيها الجماعات البشرية، وعظمة الشرق الماضية، وما ظهر فيه من المدنيات القديمة وأنواعها واستطر إلى الإسلام ومبادئه وأغراضه وتأخر الشرق وتقدم الغرب، ومصر الحديثة وأيادي الأسرة الخديوية الكريمة عليها وختم المقدمة بماهية الرحلة ومزاياها.

ونحن فلو أردنا أن تقتطف للقارئ ما جاء في عرض الرحلة من الآراء الناضجة والأبحاث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015