ومما يحسن التنبيه عليه أنه عز وجل ذكر في ختام الآية الأولى من الآيات الثلاث المذكورة آنفا: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (?) وفي ختام الآية الثانية: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (?) وفي ختام الآية الثالثة {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (?)
قال بعض علماء التفسير: الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن من تدبر كتاب الله عز وجل وأكثر من تلاوته حصل له التعقل للأوامر والنواهي والتذكر لما تشتمل عليه من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، وبذلك ينتقل إلى التقوى وهي فعل الأوامر وترك النواهي اتقاء لغضب الله وعقابه، ورغبة في مغفرته ورحمته والفوز بكرامته، وهذا معنى عظيم، وذلك من أسرار كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لكونه تنزيلا من حكيم حميد لا تخفى عليه ولا يعجزه شيء، وهو العالم بأحوال عباده ومصالحهم، لا إله غيره ولا رب سواه، وقد أخبر سبحانه أن ما أوحى الله به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم هو روح تحصل به الحياة الطيبة، ونور تحصل به البصيرة والهداية كما أخبر أن رسوله الكريم يهدي إلى صراطه المستقيم الذي أوضحه في الآيات الثلاث التي ذكرنا آنفا، وذلك في قوله عز وجل في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (?) {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (?).
فأوضح سبحانه أن الوحي الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة روح تحصل به الحياة الطيبة السعيدة والعاقبة الحميدة ونور تحصل به الهداية والبصيرة كما قال عز وجل في سورة الأنعام: