قالوا: وكما أن الشارع يقصد رفع الضرر عن الجار فهو أيضا يقصد رفع الضرر عن المشتري ولا يزيل ضرر الجار بإدخال الضرر على المشتري فإنه محتاج إلى دار يسكنها هو وعياله فإذا سلط الجار على إخراجه وانتزاع داره منه أضر به إضرارا بينا. وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا وطلبه دارا لا جوار لها كالمتعذر عليه أو كالمتعسر فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق لئلا يضر الناس بعضهم بعضا ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصوده وهذا بخلاف الشريك وإن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها والشريك يمكنه ذلك بانضمامها إلى ملكه فليس على المشتري ضرر في انتزاعها منه وإعطائها ما اشتراها به. قالوا: وحينئذ فتعين حمل أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة فيكون لفظ الجار فيها مرادا به الشريك. ووجه هذا الإطلاق المعنى والاستعمال. أما المعنى فإن كل جزء من ملك الشريك مجاور لملك صاحبه فهما جاران حقيقة وأما الاستعمال فإنهما خليطان متجاوران ولذا سميت الزوجة جارة كما قال الأعشى:
أجارتنا بيني فإنك طالقة
فتسمية الشريك جارا أولى وأحرى. وقال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي. . هذا إن لم يحتمل إلا إثبات الشفعة فأما إن كان المراد بالحق فيها حق الجار على جاره فلا حجة فيها على إثبات الشفعة وأيضا فإنه إنما أثبت له على البائع حق العرض عليه إذا أراد البيع، فأين ثبوت حق الانتزاع من المشتري ولا يلزم من ثبوت هذا الحق ثبوت حق الانتزاع. اهـ (?).