أن كل ما بدأ الله بتحويله وتبديله من جنس إلى جنس، مثل جعل الخمر خلا، والدم منيا، والعلقة مضغة، ولحم الجلالة الخبيث طيبا، وكذلك بيضها ولبنها، والزرع المستسقى بالنجس إذا سقي بالماء الطاهر، وغير ذلك، فإنه يزول حكم التنجس، ويزول حقيقة النجس واسمه التابع للحقيقة، وهذا ضروري لا يمكن المنازعة فيه، فإن جميع الأجسام المخلوقة في الأرض، فإن الله يحولها من حال إلى حال، ويبدلها خلقا بعد خلق، ولا التفات إلى مواردها وعناصرها، وأما ما استحال بسبب كسب الإنسان كإحراق الروث حتى يصير رمادا، ووضع الخنزير في الملاحة حتى يصير ملحا، ففيه خلاف مشهور، وللقول بالنظير اتجاه. انتهى المقصود (?).
وقد سبق أنه يختار القول بالطهارة. وأما المعنى فقد جاء في فتح القدير أن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فكيف بالكل، فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح عليه (?) انتهى المقصود.
القول الثاني: إن استحالة النجس، وزوال أعراض النجاسة عنه، وتبدلها بأوصاف طيبة لا تصيره طاهرا، وممن قال بهذا القول أبو يوسف، وهو أحد القولين في مذهب مالك، وهو قول الشافعي فيما كان نجسا نجاسة عينية. وإحدى الروايتين في مذهب أحمد وهي المقدمة. جاء في فتح القدير أن أبا يوسف يرى أن الأشياء النجسة لا تطهر بانقلاب عينها، وفي التجنيس اختار قول أبي يوسف كذا قال: خشبة أصابها بول فاحترقت، ووقع رمادها في بئر يفسد الماء، وكذلك رماد العذرة والحمار إذا مات في مملحة لا يؤكل الملح هذا كله قول أبي يوسف (?) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو أحد قولي أصحاب مالك (?).