المؤمنين فكيف يشرع جواز ترك المكافأة على ما هو من أعظم المعروف؟ وقد عقد الله سبحانه وتعالى الموالاة بين المؤمنين وجعل بعضهم أولياء بعض فمن أدى عن وليه واجبا كان نائبه فيه بمنزلة وكيله وولي من أقامه الشرع للنظر في مصالحه لضعفه أو عجزه.
ومما يوضح ذلك أن الأجنبي لو أقرض رب الدين قدر دينه وأحاله به على المدين ملك ذلك وأي فرق شرعي أو معنوي بين أن يوفيه ويرجع به على المدين أو يقرضه ويحتال به على المدين وهل تفرق الشريعة المشتملة على مصالح العباد بين الأمرين؟ ولو تعين عليه ذبح هدي أو أضحية فذبحها عنه أجنبي بغير إذنه أجزأت وتأدى الواجب بذلك ولم تكن ذبيحة غاصب وما ذاك إلا لكون الذبح قد وجب عليه فأدى هذا الواجب غيره وقام مقام تأديته هو بحكم النيابة عنه شرعا وليس الشأن في هذه المسألة لوضوحها واقتضاء أصول الشرع وفروعه لها وإنما الشأن فيمن عمل في مال غيره عملا بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى حقه أو فعله حفظا لمال المالك واحترازا له من الضياع فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله. وقد نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه في عدة مواضع: منها أنه إذا حصد زرعه في غيبته فإنه نص على أنه يرجع عليه بالأجرة وهذا من أحسن الفقه فإنه إذا مرض أو حبس أو غاب فلو ترك زرعه بلا حصاد لهلك وضاع فإذا علم من يحصده له أنه يذهب عليه عمله ونفقته ضياعا لم يقدم على ذلك وفي ذلك من إضاعة المال وإلحاق الضرر بالمالك ما تأباه الشريعة الكاملة فكان من أعظم محاسنها أن أذنت للأجنبي في حصاده والرجوع على مالكه بما أنفق عليه حفظا لماله ومال المحسن إليه وفي خلاف ذلك إضاعة لماليهما أو مال أحدهما ومنها ما نص عليه فيمن عمل في قناة رجل بغير إذنه فاستخرج الماء قال لهذا الذي عمل نفقته ومنهما لو انكسرت