فآثرته بالبراءة على نفسها. قال النووي: أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفس بخلاف القربات فإن الحق فيها لله، وهذا مع ما قبله على مراتب والناس في ذلك مختلفون باختلاف أحوالهم في الاتصاف بأوصاف التوكل المحض واليقين التام، وقد ورد «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من أبي بكر جميع ماله ومن عمر النصف، ورد أبا لبابة وكعب بن مالك إلى الثلث»، قال ابن العربي: لقصورهما عن درجتي أبي بكر وعمر وهذا ما قال.

وتحصل أن الإيثار هنا مبني على إسقاط الحظوظ العاجلة فتحمل المضرة اللاحقة بسبب ذلك لا عتب فيه إذا لم يخل بمقصد شرعي، فإن أخل بمقصد شرعي فلا يعد ذلك إسقاطا للحظ ولا هو محمود شرعا. أما أنه ليس بمحمود شرعا فلأن إسقاط الحظوظ إما لمجرد أمر الآمر وإما لأمر آخر أو لغير شيء. فكونه لغير شيء عبث لا يقع من العقلاء، وكونه لأمر الآمر يضاد كونه مخلا بمقصد شرعي؛ لأن الإخلال بذلك ليس بأمر الآمر، إذا لم يكن كذلك فهو مخالف له ومخالفة أمر الآمر ضد الموافقة له، فثبت أنه لأمر ثالث وهو الحظ، وقد مر بيان الحصر فيما تقدم من مسألة إسقاط الحظوظ. هذا تمام الكلام في القسم الرابع ومنه يعرف حكم الأقسام الثلاثة المتقدمة بالنسبة إلى إسقاط الحظوظ. انتهى المقصود منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015