وقال القرطبي:
" الخامسة- قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (?) اختلف في معنى لا يمسه هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلف في المطهرون من هم؟ فقال أنس وسعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة. وكذا قال أبو العالية وابن زيد: إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم: فجبريل النازل به مطهر، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون. الكلبي: هم السفرة الكرام البررة. وهذا كله قول واحد، وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال: أحسن ما سمعت في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (?) أنها بمنزلة الآية التي في عبس وتولى {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (?) {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} (?) {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} (?) {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} (?) {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (?)، يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة (عبس)، وقال: معنى لا يمسه لا ينزل به، إلا المطهرون أي الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء. وقيل: لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون. وقيل: إن إسرافيل هو الموكل بذلك، حكاه القشيري. ابن العربي: وهذا باطل؛ لأن الملائكة لا تناله في وقت، ولا تصل إليه بحال، ولو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه مجال، وأما من قال: إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل، وهو اختيار مالك.
وقيل: المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا، وهو الأظهر. وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونسخته: «من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد (?)» وكان في كتابه: «ألا يمس القرآن إلا طاهر (?)». وقال ابن عمر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر». وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (?) فقام واغتسل وأسلم. وقد مضى في أول سورة (طه)، وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (?) من