قال ابن فرحون:
ويجب الحد على من وجدت منه رائحة الخمر أو قاءها، وحكم به عمر رضي الله تعالى عنه، وفي حديث ماعز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشربت خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر (?)» - قال اللخمي: فيه دليل أن الرائحة يقضي بها دليل آخر أن إقرار السكران غير لازم.
(مسألة) قال اللخمي - رحمه الله تعالى -: ذهب مالك رضي الله تعالى عنه وجماعة من أصحابه إلى أن الحد يجب على من وجد منه ريح السكر، والدليل على ذلك ما روي عن السائب بن يزيد أنه حضر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يجلد رجلا وجد منه ريح شراب فجلده الحد تاما، والدليل من جهة المعنى أن هذا معنى يعلم به صفة ما شرب المكلف وجنسه، فوجب أن يكون طريقا إلى إثبات الحد وأصل ذلك الرؤية لما شربه، بل الرائحة أقوى من معرفة حال المشروب من الرؤية؛ لأن الرؤية لا يعلم بها الشراب أسكر هو أم لا، وإنما يعلم ذلك برائحته.
(فصل) والكلام في ذلك يتعلق بثلاثة أمور الأول: فيمن يجب استنكاهه، الثاني: فيمن يثبت ذلك بشهادته، الثالث: فيما يجب بذلك إذا تيقن رائحة السكر أو أشكلت.
(الأول): فيمن يجب استنكاهه وذلك فيما يرى الحاكم منه تخليطا في قول أو مشي يشبه السكران ففي الموازية من رواية أصبغ عن ابن القاسم أنه إذا رأى ذلك منه أمر باستنكاهه قال: لأنه قد بلغ إلى الحاكم فلا يسعه إلا تحققه، فإذا ثبت الحد حد أمامه.
(مسألة): وكذلك لو شم منه رائحة ينكرها أو أنكرها بحضرته من ينكرها، قال الباجي: فعندي أنه قد تعين عليه استنكاهه وتحقق حاله؛ لأن هذه صفة ينكرها حاله ويستراب بها ويقوى بها الظن في وجوب الحد عليه، فيجب بذلك اختباره وتحقق حاله كالتخليط في الكلام والمشي.
(مسألة): فإن لم يظهر منه شيء من هذه الأحوال يريد التخليط في القول والمشي لم يستنكه، رواه أصبغ عن ابن القاسم بالعتبية والموازية قال: ولا يتجسس عليه، ووجه ذلك إن لم ير منه ريبة ولا خروجا عن أحوال الناس المعتادة، فلا يجوز التجسس على الناس والتعرض لهم من غير ريبة.
(الثاني) فيمن يثبت ذلك بشهادته قال القاضي أبو