قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (?) لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب جعلوا على قميصه دم سخلة؛ ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب، ولا شك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها وهي عدم شق القميص فقال: سبحان الله! متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يشق قميصه! ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (?). وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن (?) انتهى.
والأظهر أن تكذيب يعقوب لبنيه في دعواهم أن الذئب أكل يوسف ليس من أجل كون الدم ليس دم إنسان، ولا من أجل كون الثوب لم يخرق؛ لأن هذين الأمرين منقولان عن بني إسرائيل ونحوهم، وأخبارهم لا تصدق ولا تكذب ولا يعتمد عليها إلا بدليل يدل على صحتها، وإنما كذبهم لأمر آخر إما لكون الرؤيا التي رآها يوسف في سجود الكواكب والشمس والقمر له لم تتحقق، وإما لوحي أوحاه الله إليه عرف منه ما يدل على كذبهم في دعواهم.
جـ - وأما الأدلة من السنة فمن ذلك:
1 - أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر باللوث في القسامة وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينا ويستحقوا دم القتيل في حديث حويصة ومحيصة.
2 - أنه صلى الله عليه وسلم أمر الزبير أن يقرر عم حيي بن أخطب بالعذاب على إخراج المال الذي غيبه وادعى نفاده فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك.
3 - أنه صلى الله عليه وسلم أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى واصفها، وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة.
4 - حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت