ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم منظرا أوجع لقلبه من منظر حمزة مقتولا ممثلا به، فقال: «رحمك الله أي عم- فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات، فوالله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلن بسبعين منهم (?)» فما برح حتى نزل قول الله في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (?) {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (?)، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر، ونهى عن المثلة (?).
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فدفن في (أحد) ودفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش وأمه أميمة بنت عبد المطلب، وكان قد مثل به أيضا (?).
وقبرهما معروف في (أحد) حتى اليوم.
«ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد، سمع نساء بني عبد الأشهل من الأنصار يبكين على شهدائهن، فقال: "لكن حمزة لا بواكي له" فاجتمع نساء وبكين حمزة، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن، فقال: "من هؤلاء؟ " فقيل: نساء الأنصار، فخرج إليهن فقال: "ارجعن، لا بكاء بعد اليوم (?)» ودعا لهن ولأولادهن وأولاد أولادهن بالخير والبركة والرحمة (?).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مر في طريق عودته من أحد إلى المدينة بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: "فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قالوا: خيرا يا أم فلان! هو بحمد الله كما تحبين قالت: " أرونيه حتى أنظر إليه "، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل "، تريد صغيرة (?).