يتسخط ولا يتضجر، ويؤذى فلا يتبرم ولا يجزع، ثم يستمر على ذلك حتى يوافيه أجله من غير أن يأخذ بحقه أو يؤخذ له - وإننا قد آمنا بأن لهذا العالم إلها حكيما، قادرا عليما - فمقتضى حكمته أن تكون هناك دار للفصل والعدل ينال فيها كل إنسان جزاءه الذي فاته في هذه الدار الدنيا.
ونظريتهم هذه قد جاء بها القرآن الكريم في أكثر من موضع، فقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (?) {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (?)؟ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (?) {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (?)؟ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (?)؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (?) {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (?). {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} (?). هذه الطائفة الثالثة لو أنها آمنت بالله وبالجزاء واستدلت على ذلك بعقلها وفطرتها - حفظت شيئا، وغاب عنها أشياء - فقد نسيت أو تناست أن أمر البعث واليوم الآخر من الأمور الغيبية، التي لا يمكن للعقل والفطرة - وحدهما - أن يعرفا تفاصيلها بيقين، بل لا بد أن يكون بجانبهما (هاد) يأخذ بيدهما وينير لهما السبيل - حتى لا يضل صاحبهما في متاهات وفي خيارات تنكبه الطريق.
وإن من رحمة هذا الإله الحق الحكم العدل - أن بعث ذلك الهادي المنير، وأنزل وحيه على رسله الذين اصطفاهم وأيدهم بالمعجزات، ليبصروا الناس بما يلزم أن