وقال ابن القيم - رحمه الله -: من تدبر نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبر والاتكاء عليه والوطء عليه علم أن النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال فوق رؤوسهم. ولهذا ينهى عن التغوط بين القبور، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الجلوس على الجمر حتى تحرق الثياب خير من الجلوس على القبر، ومعلوم أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال، وبالجملة فاحترام الميت في قبره بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا؛ فإن القبر قد صار داره، وقد تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كسر عظم الميت ككسره حيا (?)» فدل على أن احترامه في قبره كاحترامه في داره. والقبور هي دار الموتى ومنازلهم ومحل تزاورهم، عليها تنزل الرحمة من ربهم، والفضل على محسنهم، فهي منازل المرحومين، ومهبط الرحمة، ويلقى بعضهم بعضا على أفنية قبورهم يتجالسون ويتزاورون كما تظافرت به الآثار. ومن تأمل (كتاب القبور) لابن أبي الدنيا رأى فيه آثارا كثيرة من ذلك، فكيف يستبعد أن يكون من محاسن الشريعة إكرام هذه المنازل عن وطئها بالنعال واحترامها، بل هذا من إتمام محاسنها. انتهى كلامه رحمه الله.
وأما كلام الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم فكثير معروف قال في " المغني ": (فصل): وإن تيقن أن الميت قد بلي وصار