وفضلا عن ذلك كله فإن الإسلام يعتبر القضاء سلطة عليا لها استقلالها الكامل، فلا سلطان لأحد عليها مهما كان ذلك الأحد.
ولم يكن لتحذير الإسلام من القضاء أثر في تعطيل هذا المرفق العظيم، بل كان له أثره الكبير في القدرة على الانتقاء والاختيار، فمن كان أهلا للقضاء علما وخلقا وتقى وصلاحا ونزاهة، واستجاب لرغبة ولي الأمر في مزاولة القضاء؛ كان معنيا بفضل الله وكرمه بما جاء من النصوص في فضل القضاء والقضاة.
من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا (?)»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها (?)»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران (?)»، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الإمام العادل ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله (?)».
ومصادر القضاء في الإسلام تعتمد أول ما تعتمد على أصلين عظيمين هما: كتاب الله وهو القرآن، وسنة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي أقواله وأفعاله وتقريراته، وفي التحذير والترهيب من الحكم بغيرهما نصوص صريحة منها قول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (?)، وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (?)، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (?)، ومن السنة ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -