{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (?)، وأيضا فإنا نرى في الواقع أن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، ومن ذلك ما تعرض له الكاتب في مقاله المذكور، فتساؤله عن المقصد الشرعي لغسل الميت، ودعواه أن العلماء ينظرون دائما إلى علة الحكم؛ لتكون أساس الاعتبار في الفتوى، فإن هذا الكلام ليس في محله ألبتة، فإنه من المعلوم أن الأحكام معللة، لكن معرفة علة كل حكم هذا ما لم يدعه أحد من العلماء، ولا جعلوه أساسا للفتوى بحال، بل إن بينهم اتفاقا على أن بعض الأحكام لا تعلم علتها، وهو ما يعبر عنه البعض بقولهم " العلة تعبدية " وأساس الفتوى لكل عالم هو الدليل، فمتى ثبت عنده الدليل عمل بمقتضاه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?) ويقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (?) ويقول سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (?) فأساس الفتوى هو الدليل، فإن علم مع ذلك علة الحكم بأحد الطرق المعروفة عند العلماء، إما بالنص، أو المفهوم، أو الإيماء ونحو ذلك، فإن لكل طريق درجة في الاعتبار يدركها أهل العلم.