علم إبراهيم أن في طبع أهل الجهالة تحقيرهم للصغير، كيفما بلغ حاله في الحذق وبخاصة الآباء مع أبنائهم، وتوجه إلى أبيه بخطابه بوصف الأبوة إيماء إلى أنه مخلص له النصيحة، وألقى إليه حجة فساد عبادته في صورة الاستفهام عن سبب عبادته وعمله المخطئ، منبها على خطئه عندما يتأمل في عمله، فإنه إن سمع ذلك وحاول بيان سبب عبادة أصنامه لم يجد لنفسه مقالا، ففطن لخطل رأيه وسفاهة حلمه، فإنه لو عبد حيا مميزا لكانت له شبهة ما، وابتدأ بالحجة الراجعة إلى الحس، إذ قال له: ولا يغنى عنك شيئا ثم انتقل إلى ما يخالج عقل أبيه عن تلقي الإرشاد من أبيه؛ لقوله: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} (?) وهذه هي الوقفة الثانية مع أبيه: يقول له فيها: يا أبت وإني من صلبك وترى أني أصغر منك لأني ولدك، فاعلم أني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه ولا جاءك بعده (?) فاتبعني أهدك طريقا مستقيما موصلا إلى نيل المطلوب، وهو رضوان الله والظفر بما أعده في جناته جنات النعيم لمن اهتدى، والنجاة مما أعده الله وتوعد به كل كافر اتبع هواه وعبد شيطانه.
الوقفة الثالثة: بين له السبب الذي أدى به إلى عبادة الأوثان والأصنام والتعلق بها {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} (?) أي: لا تطع