فالغفلة تلحق الإنسان ببهيمة الأنعام، التي لا تستفيد من حواسها إلا في مجالات متع الحياة، من الأكل والشرب والنكاح، ولماذا يكون الغافل أضل منها؟ أليس إلا لأنه محاسب ومجازى على أعمال؟ أما بهيمة الأنعام فإنها في آخر المطاف يقال لها: كوني ترابا. فتكون ترابا، وقضي أمرها، قال تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (?)، وقال تعالى عن المعرضين: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (?) {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} (?) {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (?). وأي عقوبة أنكى وأشد من ترك الله لهذا الغافل المعرض وشأنه؟ يهيم على وجهه، ناسيا ما كلف به، غافلا عما يراد منه، وما هو قادم إليه، ومجازى عليه، جزاء وفاقا على سوء صنيعه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فإذا نسي ما خلق من أجله نسيه الله، أي سلبه هداية التوفيق حتى أنساه نفسه، وإلا ما كان ربك نسيا، غير أنه يمهل ولا يهمل، قال سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (?) {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (?)، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (?).