وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا للمؤمنين، محتجين على ذلك بقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (?) قالوا: ولكن يقال: مثل الأب للمؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم (?)». . . " (?).
ذكر هذا القرطبي رحمه الله تعالى، ثم قال: " والصحيح أنه يجوز أن يقال: إنه أب للمؤمنين: أي: في الحرمة، وقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ} (?) أي: في النسب " (?).
فلا تعارض بين الأبوة المثبتة والأبوة المنفية، فالأبوة المنفية هي أبوة النسب، وأما الأبوة التي أثبتها أهل العلم واحتجوا لها بما تقدم فهي أبوة التعليم والنصح والبيان.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله " ويفهم من قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (?) أنه صلى الله عليه وسلم أب لهم، وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قرآ: " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " وهذه الأبوة أبوة دينية، وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأمته من الوالد الشفيق بأولاده، وقد قال جل وعلا في رأفته ورحمته بهم {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (?).