مقصودها، وقد أمسك بمعروف، وقد قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) ومغفرته ورحمته للمولي توجب رفع الإثم عنه وإبقاء امرأته، ولا تسقط الكفارة، كما في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (?) فبين أنه غفور رحيم بما فرضه من تحلة الأيمان، حيث رحم عباده بما فرضه لهم من الكفارة، وغفر لهم بذلك نقضهم لليمين التي عقدها فإن موجب العقد الوفاء لولا ما فرضه من التحلة التي جعلها تحل عقدة اليمين وإن كان المولي لا يفيء، بل قد عزم على الطلاق فإن الله سميع عليم فحكم المولي في كتاب الله أنه إما أن يفيء وإما أن يعزم الطلاق فإن فاء فإن الله غفور رحيم لا يقع به الطلاق، وهذا متفق عليه في اليمين بالله تعالى.
وأما اليمين بالطلاق فمن قال: إنه يقع به الطلاق فلا يكفر، فإنه يقول إن المولي بالطلاق وقع به الطلاق، وإن عزم الطلاق فأوقعه وقع به الطلاق، فالطلاق على قوله: لازم سواء أمسك بمعروف أو سرح بإحسان، والقرآن يدل على أن المولي مخير: إما أن يفيء وإما أن يطلق فإذا فاء لم يلزمه الطلاق، بل عليه كفارة الحنث إذا قيل بأن الحلف بالطلاق فيه الكفارة، فإن المولي بالحلف بالله إذا فاء لزمته كفارة الحنث عند جمهور العلماء، وفيه قول شاذ أنه لا شيء عليه بحال، وقول الجمهور أصح، فإن الله بين في كتابه كفارة اليمين في سورة المائدة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ويكفر عن يمينه (?)».
فإن قيل: المولي بالطلاق إذا فاء غفر الله ما تقدم من تأخير الوطء للزوجة وإن وقع به الطلاق ورحمه بذلك.
قيل: هذا لا يصح فإن أحد قولي العلماء القائلين بهذا الأصل أن الحالف بالطلاق ثلاثا أن لا يطأ امرأته لا يجوز له وطؤها بحال، فإنه إذا أولج حنث، وكان النزع في أجنبية، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد وأحد القولين في مذهب مالك.
والثاني يجوز له وطأة واحدة ينزع عقبها وتحرم بها عليه امرأته، ومعلوم أن الإيلاء إنما كان لحق المرأة في الوطء، والمرأة لا تختار وطأة يقع بها الطلاق الثلاث عقبها إلا إذا كانت كارهة له فلا يحصل مقصودها بهذه الفيئة.
وأيضا فإنه على هذا التقدير لا فائدة في التأجيل، بل تعجيل الطلاق أحب إليها لتقضي العدة لتباح لغيره، فإن كان لا بد لها من الطلاق على التقديرين كان التأجيل ضررا محضا لها، وهذا خلاف مقصود الإيلاء الذي شرع لنفع المرأة لا لضرها.