ويكره أن ينطق بأنه مسلم، أو بأنه يدعو إلى الإسلام، لمراعاة فلان أو مجاملة فلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح بحق الله، وينشط في الدعوة إلى الله، ويعمل بما يدعو إليه، ويحذر ما ينهى عنه، فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم، وبأنه يدعو إلى الإسلام، ويغتبط بذلك ويفرح به، كما قال عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (?) فالفرح برحمة الله وفضله فرح الاغتباط، فرح السرور، أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه فهو فرح الكبر، والفرح هذا هو المنهي عنه، كما قال عز وجل في قصة قارون: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (?) هذا فرح الكبر والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا هو الذي ينهى عنه. . . أما فرح الاغتباط والسرور بدين الله، والفرح بهداية الله، والاستبشار بذلك والتصريح بذلك ليعلم، فأمر مشروع وممدوح ومحمود. فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات في الدلالة على فضل الدعوة، وأنها من أهم القربات، ومن أفضل الطاعات، وأن أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم في ذلك خاتمهم وإمامهم وسيدهم نبينا محمد -عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام- ومن ذلك قوله جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (?) فبين سبحانه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو على بصيرة، وأن أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة، والبصيرة: هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه، وفي هذا شرف لهم وتفضيل، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (?)» رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (?)» أخرجه مسلم أيضا. وهذا يدل على فضل الدعوة إلى الله عز وجل، وصح عنه عليه السلام أنه قال لعلي رضي الله عنه وأرضاه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (?)» متفق على صحته. وهذا أيضا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير العظيم، وأن الداعي إلى الله جل وعلا يعطى مثل أجور من هداه الله على يديه، ولو كان آلاف الملايين، وتعطى أيها الداعية مثل أجورهم. فهنيئا لك أيها الداعية إلى الله بهذا الخير