وصبروا على ذلك صبرا عظيما، وجاهدوا في الله جهادا كبيرا رضي الله عنهم وأرضاهم، وتبعهم على ذلك أئمة الهدى من التابعين وأتباع التابعين من العرب وغير العرب، ساروا في هذه السبيل، سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وتحملوا أعباءها، وأدوا الأمانة، مع الصدق والصبر والإخلاص في الجهاد في سبيل الله، وقتال من خرج عن دينه، وصد عن سبيله ولم يؤد الجزية التي فرضها الله إذا كان من أهلها. فهم حملة الدعوة وأئمة الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا أتباع الصحابة من التابعين وأتباع التابعين وأئمة الهدى ساروا على هذا الطريق كما تقدم، وصبروا في ذلك وانتشر دين الله وعلت كلمته على أيدي الصحابة ومن تبعهم من أهل العلم والإيمان من العرب والعجم من هذه الجزيرة جنوبها وشمالها، ومن غير الجزيرة، ومن سائر أرجاء الدنيا ممن كتب الله له السعادة، ودخل في دين الله، وشارك في الدعوة والجهاد وصبر على ذلك وصارت لهم السيادة والقيادة والأمانة في الدين؛ بسبب صبرهم وإيمانهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل، وصدق فيهم قوله سبحانه فيما ذكر في بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (?).
صدق هذا في أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفيمن سار على سبيلهم، صاروا أئمة وهداة ودعاة للحق وأعلاما يقتدى بهم بسبب صبرهم وإيقانهم، فإن بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فأصحاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأتباعه بإحسان إلى يومنا هذا هم الأئمة وهم الهداة، وهم القادة في سبيل الحق؛ وبذلك يتضح لكل طالب علم أن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأن الأمة في كل زمان ومكان في أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك.
ويتلخص الكلام في الدعوة إلى الله عز وجل في أمور:
الأمر الأول: حكمها وفضلها.