ثالثا: اختلف في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي، فذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى جوازه؛ لقصة العباس وحديث مكحول: «لا ربا بين مسلم وحربي» وحديث: «أي دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية (?)»، ولأن مال الحربي مباح للمسلم بدون عقد فبالعقود أولى.
ونوقشت قصة العباس بأن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه، فيكفي حمل اللفظ عليه بتحريمه، فأراد - صلى الله عليه وسلم - إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ.
ونوقش حديث مكحول بأنه مرسل.
وحديث كهذا لا ينبغي أن يكون معارضا للقرآن والسنة والإجماع.
ولو قدرت صحته فيحتمل أن المراد بقوله: " لا ربا " النهي عن الربا، كقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (?)
ونوقش القياس بالمنع، ولو فرض ارتفاع الأمان لم يصح الاستدلال؛ لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد ولا يستباح بعقد فاسد. ثم ليس كل ما يستباح بغير عقد استبيح بعقد فاسد، كالفروج تستباح بالسبي ولا تستباح بالعقد الفاسد.
وذهب مالك والإمام أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق ومن وافقهم من الفقهاء إلى أن حكم الربا بين المسلم والحربي كحكمه بين المسلم والمسلم.
ومن الحجة لذلك قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (?) وقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (?) إلى غير ذلك من الأدلة.
ولعموم الأخبار المقتضية لتحريم التفاضل، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من زاد أو ازداد فقد أربى (?)»، ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب،