الإجارة، ويقضى له بالأجرة، ومأخذه في ذلك: أن الحمل إن كان مطلقا لم يكن المستحق نفس حمل الخمر، فذكره وعدم ذكره سواء. وله أن يحمل شيئا آخر غيره، كخل وزيت، وهكذا قال فيما لو أجره داره أو حانوته ليتخذها كنيسة، أو ليبيع فيها الخمر، قال أبو بكر الرازي: لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيها الخمر أو لا يشترط، وهو يعلم أنه يبيع فيه الخمر، أن الإجارة تصح، لأنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء، وإن شرط ذلك؛ لأن له أن لا يبيع فيه الخمر ذلك، ولا يتخذ الدار كنيسة، ويستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء كان ذكرها وتركها سواء. كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها، فإن الأجرة تستحق عليه وإن لم يفعل ذلك، وكذا يقول فيما إذا استأجر رجلا ليحمل خمرا أو ميتة أو خنزيرا: أنه يصح؛ لأنه لا يتعين حمل الخمر، بل لو حمل بدله عصيرا استحق الأجرة.
فهذا التقييد عندهم لغو، بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزة، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة، قال: لأن السلاح معمول للقتال، لا يصلح لغيره.
وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى، وقالوا: ليس المقيد كالمطلق، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض وهي منفعة محرمة، وإن كان للمستأجر أن يقيم غيرها مقامها، وألزموه فيما لو اكترى دارا ليتخذها مسجدا، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة، بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة، وهي لا تستحق بعقد إجارة، ونازعه أصحاب أحمد ومالك في المقدمة الثانية وقالوا: إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم،