مما يلفت النظر في نحو الأخفش ظاهرة اضطراب آرائه وورود أكثر من رأي له في المسألة الواحدة، فقد رأيناه أحيانا يقول في مسألة برأي يتفق مع رأي سيبويه والبصريين فيها، وبرأي آخر يماثل رأي الكوفيين، وبثالث يستقل به ولا يحذو فيه حذو أحد، وهو في هذا الاضطراب لم يكن نسيج وحده بين النحاة، فقد اضطربت مواقفهم أيضا، لكنه زاد عليهم في ذلك حتى كان أبو علي يقول إذا سمع اضطراب آرائه وتناقضها: "عكر الشيخ" (?) وقال عنه ابن جني: " كان أبو الحسن ركابا لهذا الثبج (?) آخذا به غير محتشم منه وأكثر كلامه في عامة كتبه عليه" (?).
وقال عنه السيوطي "كان أبو الحسن الأخفش يقع له ذلك كثيرا حتى إن أبا علي كان إذا عرض له قول عنه يقول: لا بد من النظر في إلزامه إياه؛ لأن مذاهبه كثيرة" (?) ولعل ذلك كان منه في أكثر الأحيان حرصا على الوصول إلى الأحسن والأدق من الآراء في المسائل، وجريا على الزيادة في التمحيص والنظر من أجل الإبداع والتطوير والوصول إلى الجديد عن طريق التجديد، ولكي يخرج عما يراه قاصرا إلى ما يراه صحيحا، أو عما يراه ناقصا إلى ما يراه أكمل منه وأشمل، أو عما يراه سطحيا أو تقليديا إلى ما يراه أعمق وأكثر جدة وابتكارا وإبداعا.