ليس كل أحد اشتدت حاجته إلى النقد يجد من يقرضه بدون ربا، ولدخولها في عموم قوله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (?) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (?) ولأن الأصل في الشرع حل جميع المعاملات إلا ما قام الدليل على منعه، ولا نعلم حجة شرعية تمنع هذه المعاملة، وأما تعليل من منعها أو كرهها لكون المقصود منها هو النقد فليس ذلك موجبا لتحريمها ولا لكراهتها، لأن مقصود التجارة غالبا في المعاملات هو تحصيل نقود أكثر بنقود أقل، والسلع المبيعة هي الواسطة في ذلك، وإنما يمنع مثل هذا العقد إذا كان البيع والشراء من شخص واحد كمسألة العينة، فإن ذلك يتخذ حيلة على الربا، وصورة ذلك أن يشتري شخص سلعة من آخر بثمن في الذمة ثم يبيعها عليه بثمن أقل ينقده إياه فهذا ممنوع شرعا لما فيه من الحيلة على الربا، وتسمى هذه المسألة مسألة العينة وقد ورد فيها من حديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - ما يدل على منعها، أما مسألة التورق التي يسميها بعض الناس الوعدة فهي معاملة أخرى ليست من جنس مسألة العينة؛ لأن المشتري فيها اشترى السلعة من شخص إلى أجل وباعها من آخر نقدا من أجل حاجته للنقد وليس في ذلك حيلة على الربا لأن المشتري غير البائع، ولكن كثيرا من الناس في هذه المعاملة لا يعملون بما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة فبعضهم يبيع ما لا يملك ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري، وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي وكلا الأمرين غير جائز لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك (?)» وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك (?)» وقال عليه الصلاة والسلام: «من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (?)» قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: «كنا نشتري الطعام جزافا فيبعث إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا (?)»، وثبت عنه عليه الصلاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015