لم يكن هناك يوم آخر يبعث في الناس ويحاسبون على أعمالهم التي قاموا بها في الحياة الدنيا، لكان الخلق كله باطلا، وهذا أمر لا يتفق مع حكمة الله تعالى وعدله، فالله تعالى خلق الإنسان لغايات معينة وجعله كائنا مكلفا مسئولا، وربط هذا التكليف والمسئولية بالحساب والجزاء، ومن ثم نفى القرآن عدم الغاية والقصد من الخلق {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (?)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} (?). {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (?). {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (?) {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (?)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (?) {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (?)، والحياة فيها الخير والشر، ومن الناس المحسن والمسيء، الكافر والمؤمن، الصالح والطالح، وقد تكون الغلبة في هذه الحياة للأشرار وقد يفلت الظالمون والمجرمون من عاقبة ما ارتكبوا من آثام وجرائم.
وعدل الله لا يسوي بين من أحسن وأساء: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (?). وحكمته تعالى تقتضي أن تكون هناك حياة أخرى غير هذه الحياة، يقام فيها ميزان العدل الإلهي، وينال كل عامل جزاء عمله خيرا كان أم شرا، وهذا ما أكده القرآن وأشارت إليه آياته: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} (?). {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (?).