والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة والكسوة، وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (?) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع لقول الله تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (?).
قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك، فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، لما روى أبو هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام (?)» وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة.
وقد روي عن أحمد: إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح، فظاهر هذا إباحة ضربها كما لو أصرت، ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه، وأما قوله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (?) الآية ففيها إضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (?) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره، وللشافعي قولان كهذين.
فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر فله ضربها لقوله تعالى: واضربوهن وقال - صلى الله عليه وسلم - «إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح (?)» " رواه مسلم. معنى غير مبرح غير موجع ولا شديد.
وقال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله " غير مبرح " قال: غير شديد، وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه «قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت (?)» وروى عبد الله بن زمعة «عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم (?)» ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «(لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) (?)» متفق عليه اهـ (?).