استدل من قال بجواز إلزام القاضي أو المفتي بمذهب أو قول معين بالدواعي والأسباب الطارئة التي اقتضت ضرورة تدوين أحكام المعاملات وإلزام القضاة والمفتين أن يعملوا بموجبها. . كما استدلوا بآثار عن السلف ووقائع قضوا فيها، ومن لم يثبت عنه قول في ذلك ولا عمل به سكت ولم ينكر فكان سكوته تقريرا، وصار ذلك إجماعا على مشروعية الإلزام، وفيما يلي تفصيل ذلك مع المناقشة.
أولا: الدواعي والأسباب التي تبرر التدوين والإلزام:
أ- وقوع أحكام اجتهادية متناقضة في قضايا متماثلة أدت إلى اتهام القضاة باتباع الهوى فيما يقضون. . إلخ، ويمكن أن يناقش ذلك بأن أحكام القضاة التي قيل فيها: إنها متناقضة قد يكون اختلاف الحكم فيها ناشئا عن اختلاف الظروف والأحوال في القضيتين، وتابعا للملابسات والدلائل والأمارات المختلفة فيهما، فيظن من نظر إلى أصل القضيتين دون ما أحاط بهما تماثل القضيتين، ويحكم بتناقض الحكم فيهما حسب نظره، والواقع أنه لا تناقض بل هذا من اختلاف الحكم لاختلاف الملابسات، وقد يكون تقابل الحكمين واختلافهما ناشئا عن اختلاف اجتهاد القاضيين، أو عن تغير اجتهاد القاضي وهذا سائغ شرعا، بل الواجب على القاضي أن يحكم بما أداه إليه اجتهاده حين الفصل في القضية الحاضرة ولو خالف اجتهاده فيها اجتهاده في قضية سابقة مماثلة