والضرورات، وإن كانت جائرة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة التي لا خلاف فيها، لم تجب الطاعة فيها؛ للإجماع على أنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (?)» وهذا نص حديث رواه بهذا اللفظ أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري، وصححوه بلفظ: «لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف (?)»، ولا يشترط أن تكون هذه القوانين موافقة لاجتهاد الفقهاء فيما أصلوه أو فرعوه برأيهم؛ لأنهم صرحوا بأن الاجتهاد من الظن ولا يقوم دليل من الكتاب والسنة ولا من العقل والحكمة على أنه يجب على الناس أن يتبعوا ظن عالم غير معصوم، فلا يخرجوا عنه ولو لمصلحة تطلب، أو مفسدة تجتنب، ولا يغير هذا القيد.

وكذلك يطاع السلطان فيما يضعه هو أو من يعهد إليه ممن يثق بهم من القوانين التي ليس فيها معصية للخالق، وإن لم يكونوا من أولي الأمر الذين هم أهل الحل والعقد لأجل المصلحة لا عملا بالآية، ولكن إذا اجتمع أهل الحل والعقد ووضعوا غير ما وضعه السلطان وجب على السلطان أن ينفذ ما وضعوه دون ما وضعه هو؛ لأنهم هم نواب الأمة وهم الذين لهم حق انتخاب الخليفة، ولا يكون إماما للمسلمين إلا بمبايعتهم، فإن خالفهم وجب على الأمة تأييدهم عليه لا تأييده عليهم.

وبناء على هذه القاعدة التي لا خلاف فيها عند سلف الأمة؛ لأنها مأخوذة من نصوص القرآن الحكيم، قال الخليفة الأول في خطبته الأولى: "وليت عليكم ولست بخيركم، فإذا استقمت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني" وقال الخليفة الثاني على المنبر أيضا: "من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه" وله كلام آخر في تأييد هذه القاعدة، وقال الخليفة الثالث على المنبر أيضا: "أمري لأمركم تبع" وقال الخليفة الرابع في أول خطبة له - وكانت بعد ما علمنا من الأحداث والفتن -: "ولئن رد إليكم أمركم إنكم لسعداء وأخشى أن تكونوا في فترة" وهذا مأخوذ من قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (?) الشورى آية 38.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015