أما من أول وهلة فلا ينبغي له ذلك، وهذا باب لا ينبغي لأهل العلم والإيمان والقدرة على نفع الناس، أن يفتحوه، بل ينبغي لأهل العلم أن تكون عندهم الهمة العالية والقصد الصالح، والرغبة في نفع المسلمين، وحل المشاكل التي تعترض لهم، حتى لا يتولى ذلك الجهلة.
فإنه إذا ذهب أهل العلم، تولى الجهلة، ولا شك. . . إما هذا وإما هذا، فلا بد للناس من قضاة يحلون مشاكلهم، ويحكمون بينهم بالحق، فإن تولى ذلك الأخيار وإلا تولاه غيرهم.
فالواجب على أهل العلم، وعلى كل من يخشى الله، أن يقدر هذا الوضع، وأن يحتسب الأجر عند الله، وأن يصبر ويتحمل ويرجو ما عند الله - عز وجل - من المثوبة، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا (?)» خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.
وبذا يعلم أهل العلم والإيمان عظم الخطر، وسوء العاقبة، إذا فقد علماء الحق، أو تركوا الميدان لغيرهم.
ولا يخفى أن العالم سواء كان قاضيا أو غيره إذا اجتهد فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلا خطر عليه مع الصدق والإخلاص والتحري للحق، وإنما الخوف والخطر العظيم، على من يتهجم على القضاء أو الفتوى بالجهل، أو يقضي بالجور، كما في حديث بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار (?)» أخرجه أبو داود