" قد حققت على دولتنا وشيعتنا ودعاتنا اسم الكفر والزندقة والإلحاد بفعالك الشنيعة هذه. . . ".
كما هز هذا الحادث الجلل مشاعر الخليفة عبد الرحمن الناصر الأموي في الأندلس فاستشاط غضبا هو وأهل السنة في بلده لما انتهك من حرمة البيت العتيق، وينعي على الفاطميين اشتراكهم في هذه المؤامرة، وإعاقتهم حجيج الأندلس أثناء مرورهم بالقيروان، ويتوعدهم قائلا في إحدى رسائله إلى بعض أمراء المغرب المتقربين إليه: ". . . وهو الأمر الفادح والكارث الذي لا يحل لأمير المؤمنين ترك الغضب منه والسعي في الانتصار له، والقيام في الذب عنه، والتقرب إلى الله بحماية البيت العتيق وتعظيمه وتهوين من استهان به، والله على الانتصار منهم معين إن شاء الله ".
مما تقدم يتضح أن الحجازيين لم يعانوا من فراغ سياسي كما تردد حولهم، وأن لخدمة الحرمين أثرها الكبير في توطيد أركان الممالك الإسلامية التي قامت آنذاك، ومن ثم انشغل الحجازيون بعلاقات سياسية على أعلى مستوى، كما كان لهم أيضا دورهم الديني في هذا الصدد، إذ تسنموا قمة التوجيه الديني لشعوب العالم الإسلامي، فقد عاش في المدينة أبناء الصحابة - رضوان الله عليهم - وأبناء التابعين، وكانت وفود طلاب العلم من المشرق الإسلامي ومغربه تصل إليهم للتتلمذ على أيديهم، وتدوين أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجاورون الحرمين، وينتظمون في حلقات العلم بالمسجد النبوي والمسجد الحرام، وظلت هذه الحلقات تقوم بدورها الكبير في تطوير الأمة الإسلامية فكريا وحضاريا، وربطها بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وكان الإمام مالك - رحمه الله - من أبرز معلمي المسجد النبوي في مطلع القرن الثاني الهجري، إذ تتبع منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم، وسار طلابه على منهاجه، حتى تكونت مدرسته الفكرية الفقهية التي تعرف بمدرسة عالم المدينة، والتي نهجت هي أيضا منهج السلف