بمقتضى العقد أن يسلم ما اتفق عليه أن يكون رهنا إلى الدائن؛ ليكون وثيقة بالدين، وهذا هو المفهوم من كون الآية خبرا بمعنى الأمر؛ إذ التقدير: إذا اتفق المستدين مع الدائن على رهن في الدين لزمه أن يقبضه إياه. وقولكم: كل ما لا يقع إلا بأمرين لا يتم بأحدهما صحيح، ولكن عقد البيع لأجل مثلا بشرط الرهن يتضمن أمرين: الأول: إلزام المدين بدفع الرهن وهذا مبني على الشرط، والثاني: صحة الرهن وهي متوقفة على قبض الدائن، فتبين بهذا أن ليس معنا أمر واحد متوقف وقوعه على أمرين بل أمران، الأول: ويتعلق بالمدين وهو إلزامه بالدفع بناء على الشرط. الثاني: الصحة وهي متوقفة على أمر يتعلق بالدائن وهو القبض.
وأما القياس على الهبة ونحوها فغير صحيح؛ لأن الهبة محض تبرع؛ والرهن حق لازم لا تبرع؛ لكونه تابعا لعقد مفاوضة مشروطا فيه فكان قياسا مع الفارق. ويمكن أن يناقش ما ذكره الجصاص بتسليم عطف الآية على الأمر باستشهاد شاهدين، ووجوب تنفيذ الرهن على الصفة المذكورة في الآية وهي القبض، لكن هذا يقتضي إلزام المدين بإقباضه للدائن وفاء بالشرط وهذا محل النزاع، ولا يلزم الدائن قبضه؛ بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (?) ولأنه حق له شرع للإرفاق به فمن حقه أن يتنازل عنه؛ بل من حقه أن يتنازل عن أصل الدين، لكن إن قبضه صح واستوفى منه، وإن لم يقبضه بعد عرضه عليه أو تمكينه منه لم يصح واعتبر متنازلا عن حقه في الإرفاق.
وأما المعنى فمن وجهين: الأول: أن الرهن عقد تبرع فيتم بالتبرع كالهبة والصدقة، والقبض شرط اللزوم، الثاني: أنه رهن لم يقبض فلا يلزم إقباضه كما لو مات الراهن.
ويجاب عن الاستدلال بالمعنى: أولا بمنع كون الرهن تبرعا أو كالتبرع، فلا يصح قياسه على عقود التبرع من الهبة ونحوها - وثانيا بأنه إن كان عدم القبض بالفعل لتفريط من الدائن أو تنازل عن الرهن بطل