مجله الاستاذ (صفحة 906)

الأسباب التي ترى مؤثرة في الظاهر إنما هو بيد الله مبدع الكون الذي خلق الأشياء على وفق حكمته وجعل كل حادث تابعاً لشبهه كأنه جزء له خصوصاً في العالم الإنساني. ولو فرضنا أن جاهلاً ضل عن الاعتراف بوجود آله صانع للعالم وليس في إمكانه أن يتخلص من الاعتراف بتأثير الفواعل الطبيعية والحوادث الدهرية في الإرادات البشرية فهل يستطيع أن يخرج بنفسه عن السنة التي سنّها الله تعالى في خلقه. هذا أمر يعترف به طلاب الحقائق وإن بعضاً من حكماء الإفرنج وعلماء سياستهم التجأوا إلى الخضوع لسلطة القضاء والقدر وأطالوا البيان في إثباتها ولا حاجة لإثبات آرائهم هنا ثم إننا نعلم أن التاريخ هو العلم الباحث عن سير الأمم في صعودها وهبوطها ومنا ينشأ عن الحوادث من التغيير والتبديل في العادات والأخلاق والأفكار بل في خصائص الإحساس الباطن والوجدان وما يلحق ذلك من نشأة الأمم وتكون الدول واندراس بعض الممالك. وهذا الفن عد من أجل الفنون الأدبية وأعظم فوائده بناء البحث فيه على القضاء والقدر واعتقاد أن قوى البشر في قبضة مدبر الكائنات ومصرف الحادثات وهو الله الفاعل المختار ولو استقلت قدرة البسر بالتأثير ما انحط رفيع ولا ضعف قوي ولا ذهب سلطان والاعتقاد بالقضاء والقدر إذا تجرد عن شناعة الجبر تتبعه صفة الجراءة والإقدام والشجاعة والبسالة ويبعث على اقتحام المهالك التي ترجف لها قلوب الأسود ويطبع الأنفس على الثبات

واحتمال المكاره ومقارعة الأهوال ويحليها بحلية الجود والسخاء بل يحملها على بذلك الأرواح والتخلي عن نضرة الحياة في سبيل الحق الذي دعاها لاعتقاد هذه العقيدة التي منها اعتقاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015