وعاش أجدادهم وأسواق أوروبا غاصة بمصنوعاتهم والدهر بالناس قُلب.
فهل يرضى بهذه الحالة وطني وفينا العقلاء الأذكياء وذوو الهمم الذين لا مال عندهم والأموال متوفرة لدينا ولا يعوزنا شيء سوى أن نرى ذوي المال يعيرون ذلك جانب التفاتهم ويستسهلون دفع الدرهم والدينار للحصول على رد مجد قد فقدناه ولهم أكبر عضد ونصير حزم سمو الأمير المعظم حليف الإصلاح الذي منذ رقي عرش الخديوية المصرية وأفكاره العلية متوجهة إلى أحوال الصنائع فأمر بمدرسين من أوروبا لأجل هذا الغرض وحادث مشاهير التجار عن تفح معامل وفابريقات.
وقد سمعنا في خلال هذا الشهر أنه قد تألفت جمعية بالقاهرة من نخية رجال هذا العصر يبحثون عن أحسن الصنائع والفنون لهذا القطر السعيد فرجونا الله أن يوفقهم إلى ما فيه حسن المآل وتحقيق الآمال صرنا نتوقع أن نرى قريباً بعض نفحاتها ولا نعدم من رجالها أفكاراً صائبة وفوائد جمة إذ قد اشتهروا بسمو لأفكار وعلو الهمة وأن كنا نؤكد أن حضراتهم في غنى عن أي إرشاد إلا أننا قد تعودنا من لطف وطنيينا إصغاءً على بعض المطالب فنرجوهم رعاية الصنائع التي لا تزال بقية ببلادنا نظير صناعة الأنسجة القطيفة والكتانية والصوفية والحريرية التي تحتاج فقط إلى إصلاح قليل وهي متينة عن المشغولات الأجنبية وألوانها حسنة واتمانها زهيدة وتصلح أن تكون مفروشات لجميع المنازل وكثير من الأجانب قد فرشوا منازلهم منها ويوجد بين تلك الأنسجة ما يصلح أن يكون ملبوساً فحبذا لو حصل الاهتمام بترقيتها وعقدت الشركات لابتياع مصنوعاتها
وتداولها بني الوطنيين فتشتد عزائم المشتغلين فيها ويعيش بها كثير من الصناع الذين أصبحوا يقاسون سوء المعيشة بسبب عدم تعضيد صنائعهم.
وتوجد جملة صنائع أُخرى بالقطر لو اهتممنا بترقية أحوالها لاكتفينا بها وأمكننا أن نأخذ منها كل ما نحتاج إليه وتبقى أموالنا بين أيدينا لا يلتقطها غريب وبما أن ترقية أمور الصنائع لا تتم إلا بالاختراع فمتى رأى الصناع أن هناك اهتماماً بأحوال الصناعة يميلون إلى التفنن والإبداع فيها فنؤمل ممن يعنيهم هذا الأمر أن يضعوا جوائز للمخترعين ولا نعدم من حكومتنا السنية أعمال نياشين الشرف لهم فنرى بلادنا مرتقبة إلى أوج السعادة والنجاح.
وحيث أن تكل الجمعية مركزها القاهرة فحبذا لو صار لها فروع بباقي المدن المصرية فتعقد في تلك المدن جمعيات تابعة لها تتلقى منها النبذ والآراء ويبحثون فيما كان مهما من الصنائع والفنون ويقدمون نتيجة البحث إليها.
وإذا كانت مطالب تلك الجمعيات لا تتم إلا بكم يا رجال أعيان الوطن وأنتم عضد الأمة فشمروا عن ساعد الجد وانخرطوا في سلك هذه الاجتماعات واعقدوا النية على ما فيه خيرنا ونجاحنا وأنشدوا هذا النشيد الحر
اغمد السيف وأطرح مرّانا=وأخلع الدرع وازدر التيجانا
وترجل عن النعامة واهجر=كل حصن وأن يكن أيوانا
وتقلد مطارقاً وفؤُساً=وتخير من الحلى سندانا
وترحل على البواخر وألف=كل بيت لذي الصناعة صانا
تحي أهلاً وصنعة وثراءً=بل تقوى بعزمك الأوطانا