وبهذا التجاذب تقع الثقة من الدولة المتغلبة بهذا الابن المربي في غير وطنه فتعطف عليه وتستعين به على مقاصدها في قومه وبني وطنه. وليس المراد أن الجنس الباقي على طهارته من أخلاط الغير ينفر من كل جنس يخالطه فإن التأنس في نوع الإنسان فطري لا يحتاج إلا إلى مسالمة خفيفة وإنما المراد أن كل جنس خلص من أمشاج الأغيار لا يجنح إلى الغير التجاءً واستحساناً لسلطته عليه بل يعاشره بقدر ما تدعو الضرورة فإذا جاء وقت التسلط نفر وشذ فلا يقع تحت قهره إلا بحكم الضعف والهزيمة. وكل من خالطت أصوله الأخلاط لا يختلط بالجنس الخالص إلا بقدر ما يرى أصوله حلت بين يديه فتطير طباعه إلى جو الجنس بحكم الجاذبة ولهذه العلة امتنعت أوروبا من توظيف غير جنسيتها في وظائفها العالية وسلمت جميع أعمالها خصوصاً الحربية على رجال خلصت جنسيتهم من الخليط خوفاً من رجوعهم بالغرائز إلى الأصول وقت الحروب فتذل الدولة أو وقت السلم فتقع في الفتن الداخلية فإذا بحث خبير في اختلاف أهواء الشرقيين ورجع بأفكارهم إلى ما يميلون إليه أمكنه أن يرد الدماء على أصولها بالحنين الأصلي. وكذلك لو بحث هذا البحث في الأمم الأوروبية لرد الخليط فيها على أصله بالسحنة والفعال وكما توجد الألفة بين الأقارب مع اختلاف الآباء توجد بين الأجناس المتقاربة وطناً المتحدة ديناً كما يرى ذلك بين دول أوروبا فإن قرابة الجنسية ووحدة الدين قضيا عليها بالائتلاف في وقت مقاتلة أمة شرقية فلا تشذ دولة إلا بداعية ملكية مع كراهتها انتصار الشرقي على الغربي وكذلك نرى ذلك بين الأجناس المسلمة من عرب وترك وفرس وهنديين وغيرهم فإنهم لا يفرق كلمتهم إلا المظهر الملكي