-[646]-
ونسجه ثياباً والأخبار الدولية منقطعة انقطاعاً كلياً فلا علم لمصري بما في البلاد المجاورة له فضلاً عن مملكة أخرى. والأوامر تصدر من الصناجق بحسب ما يرونه. اعرف منها أن بلداً كانت تدفع ثمانين ريالاً فطلب شيخها من حلاقها عشرين فضة فتوجه إلى الصنجق بمصر وقال له أن بلدنا يمكنها أن تدفع مائة ريال فأرسل معه جماعة من الأرنؤط فحاطوا بالبدل وطلبوا من مشايخها مائة ريال فأظهروا عدم
قدرتهم فأمرهم الحلاق أن يهجموا بيوت البلد ففعلوا وجمعوا ما فيها من الحلى والنقود فبلغ مائة وأربعين ريالاً فكتبوا للصنجق فصدر أمره يجمع أربعين رجلاً من سن الثلاثين إلى الأربعين وشنق عشرين منهم وذبح عشرين ففعلوا فهذه مادة م مواد قانون الهمجية والجهالة. وربما قام الصناجق على الوالي فقتلوه. وكثيراً ما كانوا يسلطون الجند على العاصمة لنهبها إذا طلبوا أرزاقهم ولم يجدوا ما يعطونه لهم وكان معظم الأطيان خالياً من الزراعة لكون الفلاح لا يزرع إلا مقدار حاجته ولتسلط الصناجق على الفلاحين بنهب زروعهم سنة الخصب. فلما جاء المرحوم محمد علي باشا ورأى أن الحروب التي وقعت بمصر بين أهلها والإفرنج وبين الغز والولاة وبينهم وبينه والحروب التي وقعت في مورة والسودان والحجاز واليمن والشام قد أذهبت ثورة البلاد وعطلت المزارع وأوقفت المصانع وخربت القرى فهاجر كثير من أهلها إلى الحجاز والمغرب والشام والعراق والأناطول وأصبح كثير منها لا ساكن فيه وفسدت الأراضي بعدم الخدمة وتركها للحشائش المحمولة إليها مع مياه النيل وصارت مصر في حالة يأس من الإصلاح فجمع إليه كثيراً من الترك والجركس والأرنؤط والمورالية وفريقاً من العرب