مجله الاستاذ (صفحة 222)

ومجاوريها ولا يصلون لذلك إلا بإتقان العلوم في الصغر ودراسة جغرافية العالم وأخلاق الأمم والشرائع والقوانين والنظامات والوقوف على مشارب الأحزاب ومساعي الملوك وبهذه العلوم سهل عليهم القيام بوظائف علمهم فشاركوا أصاغر الناس في تخصيص بعض أوقاتهم لأداء واجب الوظيفة بجد واجتهاد فالملك منهم دائم الفكر ناظر إلى الممالك بإحدى مقلتيه وإلى مملكته بالأخرى مشارك لوزرائه في المشورة واستمداد الآراء مائل إلى الأمة ميل الأب إلى ولده خائف عليها خوف الراعي على غنمه في أرض مذأبة. والأمراء من العائلات الملوكية قائمون بأعمالهم ناظرون نظر كبرائهم يتوددون إلى الناس فيعودون الأغنياء ويتألفون الفقراء ويزورون الجند ويترددون على أهل القرى تنشيطاً لهممهم وحثاً على عملهم حتى إذا انتهى إليهم الدور جاؤوا الملك وهم على أحسن ما يكون من الأهبة والاستعداد. وما رأوا من الأمة أمراً محمود العاقبة إلا كانوا في مقدمة الآخذين بأيديهم وقد حفظوا كل ما يلزم إلى الأمة وعرفوا المحكومين وما هم عليه من العادات والأخلاق فلا يغيب عنهم وجيه ولا عظيم ولا فاضل ولا غني ولا رئيس من رؤساء الجمعيات والأديان. ولهم رغبة كبرى في تأييد الجمعيات العلمية والدينية بالحضور في محافلها وحث أعضائها على المثابرة والاجتهاد ومساعدتهم بالمال والسلطة في أي أرض كانت الجمعيات وبهذه الخصال جذبوا القلوب إليهم وحوّلوا الأفكار إلى وجهتهم فاختلف الناس في أعمالهم واتحدوا في الانقياد إلى ملوكهم والتعاضد على حفظ بيت الملك الذي هو بيت مجدهم وحياة أوطانهم في الحقيقة. ومن حاد من الملوك عن هذا الطريق تداعت دعائم ملكه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015