البدنية ولا اشتغلوا بجمع الذهب والفضة ولا اعتنوا بكثرة الأثاث والأوعية بل ظهروا فقراء وعاشوا فقراء وماتوا فقراء عن زهد وورع لا عن قلة وضنك حال فإن هداة العقول غنيمتهم جذب النفوس وحظوظهم أخذ السامعين بدعوتهم ولذائذهم في تكوين العصبيات وتوحيد الكلمة وتطهير عنصر الجامعة الدينية والملكية من خليط التفريق وأمشاج الأهواء وقد قضوا أدوارهم العظيمة في تعب وعناء وانتهى بهم الأمر إلى ظهور الحكماء والعلماء بالأخذ عنهم بمشارة أو بالنظر في كتبهم وأنقسم الناس بعهدهم فرقاء كل فريق جعل له وجهة علمية يقضي حياته في الوصول إليها. فاختلفت مواضيع العلوم واحتكت الأفكار بعضها ببعض وتبادل العلماء التقى والتلقين والجدل والمناظرة حتى أتموا معدات الكمال العمراني بما وصولا إليه من المعارف الآتية إليهم باحتكام أفكارهم فيع ولم الأنبياء الذين قادوهم بمقود الدين والسياسة السماوية حتى أوصولهم إلى النظر في السلفيات والعلويات وغرائيس المخلوقات وهدوهم إلى المبتكرات والمترعات وعلموهم طرق السياسة السلمية والحربية وترتيب الإدارات وتقسيم الولايات ووضع الضرائب وفصل القضايا وعقد المعاهدات وتسيوع التجارة وكل ما يلزم المكل وما فيه من العلام. وبإتقان الحكماء والعلماء هذا الطريق المستقيم اعتمد عليهم الملوك وجعلوهم شركاءهم في الرأي والتدني والنساء والتنفيذ وسلموهم الأمم يتصرفون فيهم بعلومهم التهذيبية والتأديبية كأنهم هم الملوك. ولما رأوا أن العلم رفع وضيعهم إلى حيث أجالسه مع
سلطانه واركبه مع أميره بذلوا نفوسهم ونفيس أوقاتهم في تحصين المركز العلمي من السقوط والتلاشي فأكثروا من المدارس