يا عباس أين الرجل. فقلت له مهلاً يا أمير المؤمنين فإن العفو أقرب للتقوى وهذا رجل حرى لي معه كيت وكيت وفعل معي كذا وكذا من الإحسان العظيم فالتزمت لحق إحسانه أن أطلقه أملا بحلمك واتكالا على كرمك. قال: فرأيت وجه المنصور قد تهلل وقال لي لحاك الله يا عباس. أيفعل هذا الرجل معك هذا للإحسان العظيم في زمن الفتنة وتطلقه من غير أن تخبرنا بإحسانه لنقم بإكرامه ونجزيه عما فعله معك من الخير. وجعل المنصور يتأسف ويفرك يديه تحسراً ويقول: أيذهب منا إنسان له علينا إحسان فلا نوفيه بعض ما استوجب عندنا من عظيم معروفه والله إنها لكبرى. فقلت له: يا أمير المؤمنين بأبي وأمي إن الرجل موجود عندي وقد أبى أن يهرب لخوفه على عنقي منك. فقال لي أن أجعله محفوظاً في مكان وآتيك فأخبرك أنه هرب فإن عفوت وإلا رجعت فأحضرته. فاستبشر وجه المنصور وضرب برجله الأرض وقال: هذا والله يساوي مقدار سالف معروف الرجل إليك. فامض مسرعاً وائتني به مكرماً موقراً. فمضيت وأتيت داري ودخلت على الرجل فقبل الأرض شكراً لله تعالى وقام وجاء معيي حتى دخلنا على أمير المؤمنين المصور فحين رآه رحب به وأجلسه بجانبه وأكرمه وخلع عليه خلعاً نفيسة وقال له: هذا جزاء إحسانك. وسأله إن شاء أن يوليه الشام فأبى وشكره. وأطلقه المنصور موقراً وأرسل معه الكتب لولاته يأمرهم بإكرامه والقيام بحوائجه (للاتليدي)