ومتعجباً من غزارة إحسانه إلى أن بلغت بغداد ولحقت بأبي جعفر المنصور. فذات يوم لما قمت صباحاً على عادتي الفجر العميق وخرجت من داري قاصداً دار أمير المؤمنين وجدت رسوله في الطريق وهو آت من عنده يدعوني له. فانطلقت مسرعاً إلى أن دخلت عليه فنظر إلي وقال: يا عباس. فقلت لبيك يا أمير المؤمنين. قال خذ هذا الرجل واحتفظ به وغداً أتني به وأعلم أنه إن فقد منك فلن أرضى إلا بعنقك. فقلت سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين. فنظرت فوجدت أمامه في ناحية المكان شيخاً مقيداً في عنقه ويديه ورجليه فأخذته وخرجت به فأكبته وأتيت به إلى بيتي. ولكثرة حرصي عليه من أجل وصية المنصور لي دعوت غلماني وأمرتهم ففرشوا لنا مقصورة وأجلست الرجل فيها وجلست إلى جانبه وضعت طرف قيده في رجلي وطبقت عليها. كل ذلك حرصاً إلى الرجل لئلا يهرب فيروح عنقي. فلما مضى النهار وجاء المغرب أمرت غلماني فجاءوا بالمائدة وعليها الطعام والشراب. فجلست أنا والرجل فأكلنا ثم غسلنا أيدينا وجلسنا وقد ضجرت من السكون لن الرجل مهموم ويفكر في شأنه فسألته من أين هو فقال: من الشام. فقلت أتعرف فلان الفلاني في الشام. فقال: ما أحد أعرف به مني لماذا تسأل عنه. فقلت له: لأني أسير معروفه وعبد إحسانه. وأخبرته بما عمله معي في زمان فتنة الشام. فتبسم الرجل فلما تبسم تفرست فيه فإذا هو هو. فطار عقلي من