255 وفقد ابن كلدة الثقفي على كسرى فانتصب بين يديه. فقال له كسرى: من أنت. قال: أنا الحارث بن كلدة. قال: أعربي أنت. قال: نعم ومن صميمها قال: فما صناعتك. قال: طيب. قال: وما تصنع العرب بالطيب مع جهلها وضعف عقولها وقله قبولها وسوء غذلئها. فقال: ذلك أجدر أيها الملك إذا كانت بهذه الصفة أن تحتاج إلى ما يصلح جهلها ويقيم عوجها. ويسوس أبدانها. ويعدل أسنادها. قال الملك: كيف لها بان تعرف ما تعهده عليها. لو عرفت الحق لم تنسب إلى الجهل. قال الحارث: أيها الملك إن الله جل اسمه قسم العقول بين العباد كما قسم الأرزاق وأخذ القوم نصيبهم. ففيهم ما في الناس من جاهل وعالم وعاجز وحازم. قال الملك: فما الذي تجد في أخلاقهم. وتحفظ من مذاهبهم. قال الحارث: لهم أنفس سخية. وقلوب جرية. وعقول صحية مرضية. وأحساب نقية. فيمرق الكلام من أفواههم مروق السهم من الوتر. ألين من الماء. وأعذب من الهواء. يطعمون الطعام. ويضربون الهام. وعزهم لا يرام. وجارهم لا يضام. ولا يروع إذا نام. لا يقرون بفضل أحد من الأقوام. ما خلا الملك الهمام الذي لا يقاس به أحد من الأنام. قال كسرى: لله درك من عربي لقد أصبت علماً وخصصت به من بين الحمق فطنة وفهماً. ثم أمر بإعطائه وصلته وقضى حوائجه (لابن عبد ربه)